سورة الأنفال - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنفال)


        


أسرى: جمع أسر وهو كل من يؤخذ من المحاربين. الإثخان: الشدة حتى يثخن في الأرض: يُكثر القتال ويبالغ فيه. عرض الدنيا: حطام الدنيا وما فيها من زخارف مسّكم: اصابكم.
لا يسوغ لأحد من الانبياء ان يكون له أسرى يحتجزهم، أو يأخذ منهم الفِداء، أو يمنّ عليهم بالعفو، حتى يتغلّب على أعدائه، ويُكثر القتل والجراح فيهم، فلا يستطعيوا قتالا بعد ذلك، ولكنّكم أيها المؤمنون سارعتم في غزوة بدر الا اتخاذ الأسرى قبل التكّن في الأرض تريدون منافع الدنيا وحُطامَها، والله يريد لكم الآخرة.
{والله عَزِيزٌ حَكِيمٌ} عزيز يَهَبُ العزة للمؤمنين وإن لم يكن لهم اسرى، وهو حيكم في تدبيره وأمره ونهيه.
قراءات:
قرأ أهل البصرة {ان تكون} بالتاء.
روى الإمام أحمد عن أنس قال: «استشار النبي صلى الله عليه وسلم في الاسارى يوم بدر فقال: إن الله مكّنكم منهم، فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله اضربْ أعناقهم. فأعرض عنه النبي، ثم عاد رسول الله لمقالته، إنما هم إخوانكم بالأمس وعاد عمر لمقالته، فأعرض عنه فقام أبو بكر الصدّيق فقال: يا رسول الله نرى ان تعفو عنهم، وان نقبل منهم الفداء؟ قال: فذهب عن وجه رسول الله ما كان فيه من الغم، فعفا عنهم وقبل منهم الفداء».
وفي رواية ابن عباس عن عمر زيادة هي: فلما كان الغد جئتُ، فإذا رسول الله وأبو بكر يبكيان فقلت: يا رسولَ الله، أخبِرني من أي شيء تبكي انت وصاحبك... فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبكي على أصحابك من أخذِهم الفداءَ، لقد عرض عليَّ عذابُهم أدنى من هذه الشجرة». فأنزل الله عز وجل: {وما كان لنبي....} الآية.
{لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ الله سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} لولا حكمٌ سابق من الله بالعفو عن المجتهد المخطئ لأصابكم فيما أخذتم من الفِداء عذابٌ كبير بسبب ما تعجّلتم به.
بعد أن عاتبَهم الله على اخذ الفداء أباح لهم أكْل ما أخذوه، وعدَّه من جملة الغنائم التي أباحها لهم في اول السورة فقال: {فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً واتقوا الله إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} كلوا مما غنمتم من الفداء حلالا لكم طيبا في نفسه لا خبث فيه، واتقوا الله ما كل أموركم، انه غفور لذنبكم السابق حين أخذتم الفداء.
ثم يخاطب الاسرى بكلام رقيق يُحْيي فيهم الرجاء، ويُشيع فيهم النور، ويؤملهم بحياة أكرم مما كانوا فيه، وكسبٍ أطيب مما فقوا من مال وديار، وبعد ذلك كلّه بالمغفرة والرحمة.
{يا أيها النبي قُل لِّمَن في أَيْدِيكُمْ مِّنَ الأسرى إِن يَعْلَمِ الله فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} يا ايها النبي قل للأسرى الّذين اخذتم منهم الفداء: إن يكن في قلوبكم خير يعلمه الله فسيُخلِفُ لكم خيراً مما أخذه المؤمنون منكم ويغفر لكم ما كان من الشرك والسيئات.
ان الله غفور لمن تاب من كفره وذنوبه، رحيم بالمؤمنين يشملهم بعنايته وتوفيقه.
قراءات:
قرأ أبو عمرو: {من الأسارى} والباقون: {من الأَسرى}.
وفي الوقت الذي يفتح الله للأسارى باب الرجاء، يحذرهم خيانة الرسول- صلى الله عليه وسلم- كما خانوا الله من قبل فلاقوا هذا المصير.
{وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ الله مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.
وان يردوا خيانتك بما يظهر بعضهم من الميل إلى الإسلام مع انطواء صدروهم على قصد مخادعتك بهذا الميل فلا تبتئس، فقد خانوا الله من قبل باتخاذ الأنداد والشركاء لله والكفر بنعمته، فامكن منهم اذ نصرك في بدر مع قلة عَددكم وعُددكم، وكثرتهم، والله قوي غالب متصرف بحكمته، يعلم ما ينونه وما يستحقونه من عقاب.


الهجرة: مفارقة بلدٍ إلى غيره، فان كانت قُرْبةً إلى الله فهي الهجرة الشرعية.
آواه: اسكنه.
قسم الله المؤمنين أربعة أقسام وبيّن حُكم كل منها ومنزلته من بينها:
1- المهاجرون الاولون اصحاب الهجرة الاولى قبل غزوة بدر إلى صلح الحديبية.
2- الانصار الذين كانوا بالمدينة وآووا النبي عليه الصلاة والسلام والمهاجرين من اصحابه عند الهجرة.
3- المؤمنون الذين لم يهجروا.
4- المؤمنون الذين هاجروا بعد صلح الحيبية.
1- {إِنَّ الذين آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ الله} هؤلاء هم الكَمَلَة المؤمنون الذين هجروا أوطانهم فِراراً بدِينهم من فتنة المشركين، وإرضاء لربهم ونصراً لرسوله، ثم جاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله.
2- {والذين آوَواْ ونصروا} والآنصار من أهل المدينة الذي آووا الرسول الكريم ومن هاجر من اصحابه ونصروهم، وأمّنوهم من المخاوف، وشاركوهم في أمالهم حتى لآآثروهم على انفسهم- فحُكمهم حكم المهاجرين الاولين {أولئك بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ} بعضهم نصراء بعض في تأييد الحق وإعلاء كلمة الله على الحق.
3- {والذين آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حتى يُهَاجِرُواْ} والذين لم يهاجروا من المؤمنين، لا يثبت لهم شيءٌ من ولاية المؤمنين ونصرتهم، اذ لا سبيل إلى وَلايتهم حتى يهاجروا.
{وَإِنِ استنصروكم فِي الدين فَعَلَيْكُمُ النصر إِلاَّ على قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ} وان طلبوا منكم النصر على من اضطهدوهم في الدّين، فانصرُوهم، فإن طلبوا النصر على قوم معاهِدين لكم، لم ينقضو الميثاق معكم فلا تجيبوهم.
{والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} لا يخفى عليه شيء.
قراءات:
قرأ حمزة: {ولايتهم} بكسر الواو، والباقون بفتحها.
وبهذه المحافظة على العهود والمواثيق سِراً وجهراً امتازت الشريعة الاسلامية على غيرها، فشعارُ أهل الإسلام الوفاءُ بالعهود، والبعد عن الخيانة والغدر.
{(*) والذين كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ} إن الكفار على اختلاف شِيعِهم بعضُهم يوالي بعضاً وينصره ضد الاسلام. قد كان اليهود والمنافقون ومشركو العرب كتلةً واحدة متفين على محاربة الإسلام والمسلمين. وهذا ما يحصل اليوم... جاء اليهود إلى بلادنا واحتلّوا قسماً منها بمساعدة النصارى في جميع أقطار الأرض، وقد اتفق على ذلك جميع الأوربيين والأمريكان، كلُّهم مجتمِعون متفقون على حمايةِ اليهود ومساعدتهم ضد الإسلام والمسلمين.
{إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرض وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} إن لم تفعلوا ما شُرع لكم من ولاية بعضكم لبعض، ومن تناصرُكم وتعاونكم تجاه وَلاية الكفّار بعضُهم لبعض، يقع من المفتنة والفساد ما فيه أعظمُ الضرر عليكم، بتخاذلكم الذي يُفضي إلى ظفر الاعداء بكم وسلبكم بلادكم. وهذا ما هو حاصل اليوم من تكتّل الأعداء ضدّنا، ونحن متمزقون في عدة دول وامارات، يحارب بعضنا بعضاً والعدو يسرح ويرتع في بلادنا.
{والذين آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ الله والذين آوَواْ ونصروا أولئك هُمُ المؤمنون حَقّاً لَّهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}.
يبين الله تعالى في هذه الآية ميزةَ المهاجرين والانصار وفضهلم على غيرهم، ويذكر ان هؤلاء المهاجرين وانصار هم المؤمنون حق الايمان وأكمله، فلهم مغفرة تامة من ربهم ورزق كريم في الدنيا والآخرة.
4- {والذين آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فأولئك مِنكُمْ}.
والذين تأخر إيمانهم وهجرتُهم عن الهجرة الاولى، لكنهم هارجوا وجاهدوا معكم اعداءكم لاحقاً، فاولئك منكم أيها المهاجرون والانصار، لهم من الولاية والحقوق ما لبعضكم على بعض، وفي هذا دليل على فضل السابقين على اللاحقين كما جاء في قوله تعالى: {لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الفتح وَقَاتَلَ أولئك أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الذين أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وَقَاتَلُواْ وَكُلاًّ وَعَدَ الله الحسنى} سورة الحديد.
{وَأْوْلُواْ الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ الله} وذوو القرابة من المؤمنون أولى من غيرِهم بالبر من المؤمنون أولى من غيرِهم بالبر والنصر والإحسان كما جاء في كتاب الله الكريم، فاتبعوه وتقيدوا به. فهو سبحانه إنما شرع لنا هذه الاحكام في الولاية العامة والخاصة والعهود والمواثيق وصِلة الأرحام وغير ذلك من التشريع، وهو على علم واسع محيط بكل شيء.
وقد استدل الشيعة بهذه الآية عل ان من كان أقربَ إلى الميّت نَسباً فهو أولى بميراثه من الأبعد، فبِنتُ الميت تحجب أخاه عن الإرث لأنها اقرب منه إلى الميت، واختُه تحجب عَمَّهُ لنفس السبب. وهكذا يحجب عندَهم الأقربُ الأبعدَ من جميع المراتب.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6